**تحليل نقدي لرواية "الرجل الرفيع بالقميص الأبيض" لممدوح عزّام: دراسة في عتمة الخوف والبحث عن الذات**

 

 

**لأننا ملزمون أخلاقيًا بالتفاؤل: قراءة في كتاب "الجانب المشرق"**

 

في بداية كل عام، يجد المرء نفسه مدفوعًا نحو التفكير في المستقبل، وتقييم ما مضى، واستشراف ما هو آت. ولكن، في خضم التحديات المتصاعدة، والأزمات المتلاحقة التي تجتاح عالمنا، يصبح التفاؤل، لا مجرد شعور عابر، بل ضرورة حتمية. هذا ما يتردد صداه في كتاب "الجانب المشرق" (The Bright Side) للصحافي ساميت بول تشودري، الذي صدر مؤخرًا وأثار نقاشًا واسعًا في الأوساط الثقافية والإعلامية.

**لأننا ملزمون أخلاقيًا بالتفاؤل: قراءة في كتاب "الجانب المشرق"**

لا يندرج كتاب تشودري ضمن خانة كتب التنمية الذاتية التقليدية، التي تعتمد على الوعظ المباشر والوصفات الجاهزة للسعادة، بل هو أقرب إلى التأمل الفلسفي العميق في ماهية التفاؤل وأهميته، وكيف يمكننا تنميته وتوظيفه في مواجهة التحديات الوجودية التي تعصف بنا. فهل التفكير الإيجابي هو دائمًا الخيار الصائب، أم أن هناك حدودًا للتفاؤل، ومخاطر للتشاؤم؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يطرحه الكتاب، ويحاول الإجابة عنه من خلال رحلة استكشافية شيقة، تمزج بين التاريخ، والأدب، والفلسفة، والعلم.

 

**التفاؤل بين الروحانية والعقلانية**

 

في مقاله لها في صحيفة الغارديان، تتساءل هيلين طومسن، هل ما زال التفاؤل مطلوبًا في ظل عالم مليء بالصراعات والأزمات؟ وتشير إلى أن "الجانب المشرق" يمثل إضافة نوعية في هذا المجال، إذ يختلف عن كتب التنمية الذاتية التي سبقت، مثل "قوة التفكير الإيجابي" لنورمان فينسنت بيل، أو "مانيفست" لروكسي نافوسي. ففي حين يعتمد بيل على الروحانية، وتستند نافوسي إلى التجربة العملية، ينسج تشودري قصصًا من التاريخ والأدب والفلسفة والعلم، ويطرح نفسه بوصفه متفائلاً لم يدرك حقيقة كونه كذلك إلا غداة وفاة زوجته المفاجئة.

 

• إن هذه النقطة تحديدًا، هي التي تمنح الكتاب مصداقية وعمقًا إضافيين.
•  فالتفاؤل ليس مجرد موقف نظري، أو تمرين ذهني
•  بل هو استجابة إنسانية عميقة، تنبع من قلب المعاناة.
•  وهو ما يجسده تشودري
•  الذي يرى في فقدانه لزوجته حافزًا لمضاعفة جهوده في نشر الأمل
•  وتذكير الناس بأهمية الحياة وقصرها.

 

**التفاؤل كاستثمار حذر**

 

يؤكد تشودري أن التفاؤل ليس تخديرًا للواقع، أو تغاضيًا عن المشاكل، بل هو استثمار حذر في المستقبل، مبني على فهم عميق للحقائق، وتصميم على التغيير. وكما يوضح هيو غرين، وهو طبيب نفسي سريري وعالم أعصاب في مستشفى "أودنبروك" بكمبريدج، فإن البشر يميلون بطبيعتهم إلى التفاؤل، وإن كان غير واقعي في كثير من الأحيان، باستثناء الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب السريري. ويضيف أن "الواقعية الاكتئابية" تجعلنا نرى الواقع بوضوح أكبر، ولكن على حساب صحتنا العقلية، وهو ما يضعنا أمام معضلة: هل نختار الدقة أم السعادة؟

 

1. ينحاز تشودري بقوة إلى جانب التفاؤل
2.  ويرى أن له دورًا أساسيًا في التقدم الاجتماعي.
3.  فالكتاب ليس مجرد بحث في مفهوم التفاؤل
4.  بل هو تاريخ كاشف لهذه الفكرة
5.  وكيف ساهمت في تحسين حياة البشر على مر العصور.
6.  ولا يتجاهل تشودري، في الوقت نفسه
7. المخاطر المحتملة للتفاؤل
8.  خاصة عندما يتحول إلى تفاؤل ساذج أو أعمى
9.  يتجاهل الواقع ويتسبب في كارثة.

 

**التفاؤل ليس مجرد مزاج، بل فضيلة**

 

لا يرى تشودري التفاؤل مجرد مزاج أو حالة، بل هو فضيلة يجب علينا تنميتها والمجاهدة من أجلها. وهو ما يظهر بوضوح في إعادة صياغته لرسالة من السجن كتبها أنطونيو غرامشي، فبدلاً من "تشاؤمية العقل، وتفاؤلية الإرادة"، يقترح تشودري "القدرة على رؤية العالم على ما هو عليه والمضي قدمًا على أي حال". إنها مهارة جديرة بالاكتساب، ولكنها ليست سهلة المنال.

 

• يستعرض تشودري في كتابه نماذج مختلفة للتفاؤل
•  من الميثولوجيا إلى فيزياء الكم، ويحلل أنماط التفكير المختلفة
•  ويشرح متى يكون التفاؤل مناسبًا ومتى يكون غير ذلك.
•  ويؤكد أن لا أحد يريد من مراقب الحركة الجوية 
• أن يعتمد على التفكير الإيجابي
•  وأن الإيجابية الذهنية ما كانت لتجعل كوفيد يختفي
•  وأن التفاؤل الأعمى لا يشفي من السرطان العنيف. 
• ولكن، في الوقت نفسه، فإن التوقع العام بأن الأمور
•  ستكون على ما يرام، هو ما يجعلنا ننشيء عالمًا أفضل.

 

**تحدي التشاؤمية**

 

لا يكتفي تشودري بتعزيز التفاؤل، بل يتصدى أيضًا للتشاؤمية، ويحلل الأسباب التي تجعلها جذابة للكثيرين. ويحذر من أن التشاؤمية، وإن كانت تبدو واقعية ومنطقية في بعض الأحيان، إلا أنها قد تعطل التقدم وتثبط الهمم، وتؤدي إلى اليأس والاستسلام. ويضرب المثل بغريتا ثانبيرغ، وغيرها من النشطاء المناخيين، الذين يرون أن لغتهم الوحشية في وصف الكارثة، قد تهدد التغيير الذي يسعون إليه.

 

1. ويرى تشودري أن علينا أن نتعلم من تجربة كاتالين كاريكو
2.  عالمة الكيمياء الحيوية المجرية - الأميركية، التي فازت بجائزة نوبل 
3. عن عملها في تكنولوجيا لقاح mRNA. فكاريكو
4.  التي تجاهل زملاؤها عملها في بداية مسيرتها المهنية
5.  واستمرت في العمل على الرغم من ذلك
6.  هي مثال للتفاؤل الذي يؤدي إلى إحداث تغيير حقيقي في العالم.

 

**رحلة واسعة**

 

"الجانب المشرق" هو رحلة واسعة، تأخذ القارئ في جولة عبر التاريخ والفلسفة والعلم، وتكشف عن أهمية التفاؤل في بناء مستقبل أفضل. وعلى الرغم من أن الكتاب قد يبدو مفككًا بعض الشيء في البداية، إلا أنه في النهاية يقدم رؤية متماسكة ومتكاملة، تجمع بين الأفكار المتناثرة، وتوضح أن التفاؤل ليس مجرد أمنية، بل هو ضرورة حتمية، وقوة دافعة نحو التقدم.

 

1. يقول غرين في نهاية مقالته أن تشودري يقدم حججًا فاتنة وواسعة النطاق 
2. تبعث على التفاؤل، لكنها بعيدة عن الابتذال وتملق الذات
3.  وأن هذا المنظور هو ما نحتاجه بشكل ماس في 2025
4.  في ظل تصاعد الصراعات الدولية
5.  وأزمة المناخ العالمية المستمرة، والتحولات السياسية المتلاحقة.

 

في الخلاصة

 يقدم كتاب "الجانب المشرق" دعوة للتفاؤل المسؤول، الذي لا يتجاهل الواقع، بل يتعامل معه بوعي وحكمة وتصميم. إنه كتاب يذكرنا بأننا نولد متفائلين، وأن التفاؤل ليس مجرد شعور، بل هو واجب أخلاقي، ومسؤولية جماعية، نحو أنفسنا ومجتمعاتنا. فإذا كنت تشعر أنك فقدت هذا الشعور، أو أنك تجد صعوبة في الحفاظ عليه، فإن هذا الكتاب قد يكون البوصلة التي ترشدك إلى طريق الأمل، وتذكرك بأن هناك دائمًا جانبًا مشرقًا، يستحق أن ننظر إليه ونعمل من أجله.